كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



لأن كل اجتهاد يخالف النص. فهو اجتهاد باطل. ولا تقليد إلا في محل الاجتهاد.
لأن نصوص الكتاب والسنة. حاكمة على كل المجتهدين. فليس لأحد منهم مخالفتها كائنًا من كان.
ولا يجوز التقليد فيما خالف كتابًا أوسنة أوإجماعًا إذ لا أسوة في غير الحق.
فليس فيما دلت عليه النصوص إلا الاتباع فقط.
ولا اجتهاد. ولا تقليد فيما دل عليه نص. من كتاب أوسنة. سالم من المعارض.
والفرق بين التقليد والاتابع أمر معروف عند أهل العلم. لا يكاد ينازع في صحة معناه أحد من أهل العلم. وقد قدمنا كلام ابن هو يز منداد الذي نقله عنه ابن عبد البر في جامعه.
وهو قوله: التقليد معناه في الشرع الرجوع إلى قول لا حجة لقائله عليه. وذلك ممنوع منه في الشريعة والاتباع ما ثبت عليه حجة.
وقال في موضع آخر من كتابه:
كل من اتبعت قوله من غير أن يجب عليك قوله لدليل يوجب ذلك فأنت مقلده. والتقليد في دين الله غير صحيح.
وكل من أوجب عليك الدليل اتباع قوله لإأنت متبعه والاتباع في الدين مسوغ والتقليد ممنوع. اهـ.
وقال ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين:
وقد فرق الإمام أحمد رحمه الله بين التقليد والاتباع.
فقال أبوداود:
سمعته يقول: الاتباع أن يتبع الرجل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه. ثم هو من بعد في التابعين مخير. انتهى محل الغرض منه.
قال مقيده عفا الله عنه. وغفر له: أما كون العمل باوحي اتباعًا لا تقليدًا فهو أمر قطعي.
والآيات الدالة على تسميته اتباعًا كثيرة جدًّا:
كقوله تعالى: {اتبعوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ ولا تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أوليَاءَ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 3].
وقوله تعالى: {واتبعوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم} [الزمر: 55] الآية.
وقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يوحى إِلَيَّ مِن رَّبِّي هذا بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 203].
وقوله تعالى: {قُلْ مَا يَكُونُ لي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نفسي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَيَّ إني أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [يونس: 15].
وقوله تعالى: {وهذا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فاتبعوه واتقوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأنعام: 155].
وقوله تعالى: {اتبع مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لا إله إِلاَّ هو وأَعْرِضْ عَنِ المشركين} [الأنعام: 106].
وقوله تعالى: {قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرسل وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي ولا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَيَّ وَمَا أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} [الأحقاف: 9].
والآيات بمثل هذا كثيرة معلومة. فالعمل بالوحي. هو الاتباع كما دلت عليه الآيات.
ومن المعلوم الذي لا شك فيه. أن اتباع الوحي المأمور به في الآيات لا يصح اجتهاد يخالفه من الوجوه. ولا يجوز التقليد في شيء يخالفه.
فاتضح من هذا الفرق بين الاتباع والتقليد. وأن مواضع الاتباع ليست محلًا أصلًا للاجتهاد ولا للتقليد.
فنصوص الوحي الصحيحة الواشحة الدلالة السالمة من المعارض لا اجتهاد ولا تقليد معها ألبتة.
لأن اتباعها والإذعان لها فرض على كل أحد كائنًا من كان كما لا يخفى.
وبهذا تعلم أن شروط المجتهد التي يشترطها الأصو ليون إنما تشترط في الاجتهاد.
وموضع الاتباع ليس محل اجتهاد.
فجعل شروط المجتهد في المتبع مع تباين الاجتهاد والاتباع وتباين مواضعهما خلط وخبط. كما ترى.
والتحقيق أن اتباع الوحي لا يشترط فيه إلا علمه باما يعمل به من ذلك الوحي الذي يتبعه.
وأنه يصح علم حديث والعمل به. وعلم آية والعمل بها.
ولا يتوقف ذلك على تحصيل جميع شروط الاجتهاد.
فيلزم المكلف أن يتعلم ما يحتاج غليه من الكتاب والسنة. ويعمل بكل ما علم من ذلك. كما كان عليه أول هذه الأمة. من القرون المشهود لها بالخير.
التنبيه الخامس.
اعلم أنه لا يخفى علينا أن المقلدين التقليد الأعملى المذكور. يقولون:
هذا الذي تدعوننا إليه وتأمروننا به من العمل بالكتاب والسنةن والتقديمهما على اراء الرجال من التكليف بما لا يطاق.
لأنا لا قدرة لنا على معرفة الكتاب والسنة حتى نعمل بهما.
ولا يمكننا معرفة شيء من الشرع إلا عن طريق الإمام الذي نقلده.
لأنا لم نتعلم نحن ولا آباؤنا شيئًا غير ذلك.
فإذا لم نقلد إمامنا بقينا في حيرة لا نعلم شيئًا من أحكام عباداتنا ولا معاملاتنا. وتعطلت بيننا الأحكام إذ لا نعرف قضاء ولا فتوى ولا غير ذلك من الأحكام إلا عن طيق مذهب إمامنا.
لأن أحكام مدونة عندنا وهي التي نتعلمها ونتدارسها دون غيرها من الكتاب أو السنة وأقوال الصحابة ومذاهب الأئمة الآخرين.
ونحن نقول:
والله لقد ضيقتم واسعًا. وادعيتم العجز. وعدم القدرة في أمر سهل.
ولا شك أن الأحوال الراهنة للمقلدين التقليد الأعمى. للمذاهب المدونة تقتضي صعوبة شديدة جدًّا في طريق التحول من التقليد الأعمى إلى الاستضاءة بنور الوحي.
وذلك إنما نشأ من شدة التفريط في تعلم الكتاب والسنة والإعراض عنهما إعراضًا كليًا يتوارثه الأبناء عن الآباء والآباء عن الأجداد.
فالداء المستحكم من مئات السنين لابد لعلاجه من زمن طويل.
ونحن لا نقول: إن الجاهل بالكتاب والسنة يعمل بهما باجتهاده.
بل نعوذ بالله من أن نقول ذلك.
ولكنا نقول: إن الكتاب والسنة يجب تعلمهما. ولا يجوم الإعراض عنهما وأن كل ما علمه المكلف منهما علمًا صحيحًا ناشئًا عن تعلم صحيح وجب عليه العمل به.
فالبلية العظمى إنما نشأت من توارث الإعراض عنهما إعراضًا كليًا اكتفاء عنهما بغيرهما.
وهذا من أعظم المنكر وأشنع الباطل.
فالذي ندعوإليه هو المبادرة بالرجوع إليهما بتعلمهما أولا ثم العمل بهما والتوبة إلى الله من الإعراض عنهما.
ودعوى أن تعلمهما غير مقدور عليه. لا يشك في بطلانها عاقل. ونعيذ أنفسنا وإخواننا بالله أن يدعوا على أنفسهم أن على قلوبهم أكنة. وفي اذانهم وقرأ يمنعهم من فهم كتاب الله.
لأن ذلك قول الكفار لا قول المسلمين قال الله تعالى: {حمتَنزِيلٌ مِّنَ الرحمن الرحيم كِتَابٌ فُصِّلَتْ آياتهُ قرآنا عربيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُون بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ وَقالواْ قُلُوبُنَا في أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي اذانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فاعمل إِنَّنَا عَامِلُونَ} [فصلت: 1- 5].
فاحذر يا أخي وارحم نفسك أن تقول مثل قول هؤلاء الكفرة وأنت تسمع ربك يقول: {ولقد يَسَّرْنَا القرآن لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [القمر: 17- 22- 23- 40]. ويقول: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [الدخان: 58].
ويقول: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ ليدبروا آياتهِ وليتَذَكَّرَ أُولوالألباب} [ص: 29].
فلا تخرج نفسك من عموم أولي الألباب الذين هم أصحاب العقول. لأنك إن فعلت ذلك اعترفت على نفسك أنك لست من جملة العقلاء.
وعلى كل حال فلا يخلوالمقلدون. التقليد الأعمى. من أحد أمرين:
أحدهما: ألا يلتفتوا غلى نصح ناصح.
بل يستمرون على تقليدهم الأعمى. والإعرضا عن نور الوحي عمدًا.
وتقديم رأي الرجال عليه.
وهذا القسم منهم لا نعلم له عذرًا في كتاب الله ولا سنة رسوله.
ولا في قول أحد من الصحابة. ولا أحد من القرون المشهود لهم بالخير.
لأن حقيقة ما هم عليه. هو الإعراض عما أنزل الله عمدًا مع سهو لة تعلم القدر المحتاج إليه منه. والاستغناء عنه بأقوال الأئمة.
ومن كان هذا شأنه وهو تام العقل والفهم قادر على التعلم فعدم عذره كما ترى.
الأمر الثاني: هو أن يندم المقلدون على ما كانوا عليه من التفريط في تعلم الوحي. والإعراض عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ويبادروا إلى الرجوع إلى الكتاب والسنة ويشرعوا في ذلك بجد. تائبين مما كانوا عليه من التفريط قبل ذلك. وهذا القسم على هدى من الله.
التنبيه السادس:
لا خلاف بين أهل العلم. في أن الضرورة لها أحوال خاصة تستوجب أحكامًا غير أحكام الاختيار.
فكل مسلم ألجأته الضرورة إلى شيء إلجاءً صحيحًا حقيقًا. فهو ن في سعة من أمره فيه.
وقد استثنى الله جل وعلا. حالة الاضطرار في خمس آيات من كتابه. ذكر فيها المحرمات الأربع التي هي من أغلظ المحرمات. تحريمًا وهو الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به.
فإن الله تعالى كلما ذكر تحريمها استثنى منها حالة الضرورة. فأخرجها من حكم التحريم.
قال تعالى في سورة الأنعام.
{قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا على طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَودَمًا مَّسْفُوحًا أولحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوفِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ فَمَنِ اضطر غَيْرَ بَاغٍ ولا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [الأعراف: 145].
وقال في الأنعام أيضًا:
{وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسم الله عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضطررتم إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهوائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هو أَعْلَمُ بالمعتدين} [الأنعام: 119].
وقال تعالى في النحل:
{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الميتة والدم ولحْمَ الخنزير وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ فَمَنِ اضطر غَيْرَ بَاغٍ ولا عَادٍ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النحل: 115].
وقال تعالى في البقرة:
{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الميتة والدم ولحْمَ الخنزير وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ الله فَمَنِ اضطر غَيْرَ بَاغٍ ولا عَادٍ فلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [البقرة: 173].
وقال تعالى في المائدة:
{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة والدم ولحْمُ الخنزير وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ} إلى قوله: {فَمَنِ اضطر فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [المائدة: 3].
وبهذا تعلم أن المضطر للتقليد الأعمى اضطرارًا حقيقيًا. بحيث يكون لا قدرة له ألبتة. على غيره مع عدم التفريط لكونه لا قدرة له أصلًا على الفهم.
أوله قدرة على الفهم وقد عاقته عوائق قاهرة عن التعلم.
أوهو في أثناء التعلم ولكنه يتعلم تدريجًا لأنه لا يقدر على تعلم كل ما يحتاجه في وقت واحد.
أولم يجد كفئًا يتعلم منه ونحوذلك فهو معذور في التقليد المذكور للضرورة.
لأنه لا مندوحة له عنه.
أما القادر على التعلم المفرط فيه.
والمقدم اراء الرجال على ما علم من الوحي.
فهذا الذي ليس بمعذور.
التنبيه السابع:
اعلم أن موقفنا من الأئمة رحمهم الله من الأربعة وغيرهم.
هوموقف سائر المسلمين المنصفين مننهم.
وهوموالاتهم. ومحبتهم. وتعظيمهم. وإجلالهم. والثناء عليهم. بما هم عليه من العلم والتقوى. واتباعهم في العمل بالكتاب والسنة وتقديمهما على رأيهم وتعلم أقوالهم للاستعانة بها على الحق. وترك ما خالف الكتاب والسنة منها.
وأما المسائل التي لا نص فيها فالصواب النظر في اجتهادهم فيها.
وقد يكون اتباع اجتهادهم أصوب من اجتهادنا لأنفسنا.
لأنهم أكثر علمًا وتقوى منا.
ولكن علينا أن ننظر ونحتاط لأنفسنا في أقرب الأقوال إلى رضى الله وأحوطها وأبعدها من الاشتباه.
كما قال صلى الله عليه وسلم: «دع ما يريبك إلى ما ليريبك»
وقال: «فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه»
وحقيقة القول الفصل في الأئمة رحمهم الله أنهم من خيار علماء المسلمين وأنهم ليسوا معصومين منن الخطأ. فكل ما أصابوا فيه فلهم فيه أجر الاجتهاد وأجر الإصابة. وما أخطأوا فيه فهم مأجورون فيه باجتهادهم معذورون في خطئهم فهم مأجورون على كل حال. لا يلحقهم ذم ولا عيب ولا نقص في ذلك.
ولكن كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم حاكمان عليهم وعلى أقوالهم كما لا يخفى.
فلا تغل في شيء من الأمر واقتصد ** كلا طرفي قصد الأمور ذميم

فلا تكم ممن يذمهم وينتقصهم ولا ممن يعقد أقوالهم مغنية عن كتاب الله وسنة رسوله أو مقدمة عليهما.
التنبيه الثامن: